كيف نحافظ على خطاب وطني جامع في سوريا؟
تمرّ سوريا اليوم بلحظة دقيقة تُعيد فتح الجرح السوري بكل آلامه: من السويداء إلى إدلب، ومن حلب إلى درعا، يتصاعد خطاب تحريضي منفلت، يهدد ما تبقى من نسيجنا الوطني، ويزرع بذور فتنة نحن بغنى عنها، وسط أزمة سياسية واقتصادية وأمنية خانقة يعيشها كل سوري، دون استثناء.
في خضمّ هذا المشهد، يبدو الصخب والتحريض و”اللعب على الغرائز” الخيار الأسهل للبعض، خاصة في منصات التواصل الاجتماعي، حيث يمكن لأي شخص أن يجمع آلاف المتابعين والإعجابات من خلال خطاب الشتيمة أو المزاودة أو التجييش الطائفي.
لكن،هل هذا هو ما تحتاجه سوريا اليوم؟
بين خطابي الغريزة والعقل
أسهل ما يمكن تقديمه للناس في لحظات الانفعال هو خطاب الغضب.
فهو يُرضي، آنياً، مشاعر الغبن والخوف والخذلان التي تراكمت في النفوس.
لكنه يُدمّر أكثر مما يُصلح. يفرّق أكثر مما يوحّد.
يُضعف الدولة والمجتمع، بدلاً من أن يسندهما.
صدقني، ليس صعباً أن تُزايد أو تُحرض أو ترفع السقف بلا حساب.
هذا يقدر عليه الجميع. لكن أن تختار خطاب الوطن، وتتمسك بالعقل، وتبني على المسؤولية، فهذا يتطلب وعياً، وشجاعة من نوع مختلف.
الشجاعة ليست في رفع الصوت، بل في حسن توجيهه.
ليست في الصدام، بل في البناء وسط الركام.
وهذه مسؤولية كل من يؤمن بسوريا، بكل أبنائها.
خطابنا مسؤولية لا ترف
من المؤسف أن بعض من يزعمون الدفاع عن الوطن يساهمون، بوعي أو بدون وعي، في تمزيقه، بخطاب عبثي لا يراعي واقع الناس ولا تعقيد المرحلة.
الدولة لا تُبنى بالصراخ، ولا تُحفظ بالقمع، ولا تُعالج أزماتها بالتجييش. ما نحتاجه اليوم هو خطاب ينهض بالناس، لا يزيد من أعبائهم.
خطابنا ليس مجرد كلمات تُقال. هو موقف، وأمانة، ومسؤولية تجاه شعب يعاني منذ سنوات، ويستحق أن نمنحه أملاً لا وهماً.
خطابنا يجب أن يكون جسراً لا خندقاً. سنداً لا عبئاً.
ويجب أن ننتبه: أخطر ما يهدد أمن سوريا أحياناً ليس أعداءها، بل من يحمّلونها عبء تصرفاتهم العشوائية.
نحو خطاب وطني جامع
الخطاب الوطني الجامع لا يعني تجاهل الخلافات أو تذويب الهويات. بل هو الاعتراف بحق الجميع في الوجود والمشاركة، وبناء لغة مشتركة تؤمن بالاختلاف كقوة، لا كخطر.
آثناء الأزمات، تصبح الكلمة أخطر من الرصاصة. قد تشعل نزاعاً، أو تطفئ فتنة.
قد تُسقط وطناً، أو تُحيي أملاً.
ولذلك، واجبنا اليوم أن نراجع أنفسنا:
هل نحن نزيد الجراح، أم نداويها؟ هل خطابنا يعبّر عن مستقبل سوريا التي نحلم بها، أم يكرّس مآسيها؟
مسؤولية النخبة والمجتمع
النخبة السياسية والثقافية والإعلامية تتحمّل واجباً مضاعفاً اليوم.
ليس دورهم مجاراة الشارع في انفعالاته، بل توجيهه نحو أفق وطني جامع.
الشعب يحتاج إلى من يُنير له الطريق، لا من يُغذّي انقساماته.
وكذلك المجتمع، بكل أطيافه، عليه أن يطالب بخطاب راشد، يحترم آلامه ولا يتاجر بها.
خطاب يؤمن أن سوريا تستحق أكثر من “إدارة أزمة”، بل تستحق مشروع وطن يليق بتضحيات أبنائها.
صوت العقل في وجه الفوضى
قد يبدو صوت العقل ضعيفاً وسط ضجيج الفوضى، لكنه وحده القادر على البناء.
في زمن السقوط الأخلاقي والسياسي، يصبح التمسك بالخطاب الوطني الجامع فعلاً نضالياً بحد ذاته.
فلنختر خطاباً يرتقي بسوريا إلى ما تستحق.
خطاباً يداوي الجراح، لا يعمّقها.
خطاباً يصنع دولة، لا سلطة.
خطاباً نفاخر به أبناءنا حين نسأل: ماذا قلنا يوم احتاجتنا سوريا؟
بقلم باسل منصور
للتواصل ومتابعتنا على وسائل التواصل الاجتماعي:
Facebook | Twitter | Instagram |Threads